[تنشر هذه المادة ضمن ملف " الموجة الجديدة في الشعر السوري ( أثر الحرب )" انقر/ي هنا لمواد الملف الكاملة]
لا شيء يصلح لقصيدةِ حُب
في البيت
صباح الخير
كنت أنتظركِ البارحة
ابتلعتُ مقبضَ الباب
من هول غيابكِ !
اعذريني الآن
فلا وقت لدي لأشرب قهوتي
موعد العمل يدقُّ رأسي باكراً
بمطرقةِ الإزعاج.
في الطريق إلى العمل
إن جئتِ
لن يكون هناك أحدٌ في البيت
تسللي من النافذة
لكن إيّاكِ أن تعبثي بما لا يخصني
لي فراشٌ عليه آثار جناحين مكسورين
كرسيٌ صغيرٌ
وركن في زاويةِ المطبخ لحقيبتي
ما تبقى هو لأصدقائي الجدد
الذين يكتبون وظائفهم خمس مراتٍ في اليوم
بخشوع!
كدتُ أنسى
..على طرفِ الطاولة
يوجد صحنٌ للسجائر
بإمكانكِ أن تدخني علبة كاملة
لا تخافي
لن أقول لكِ "إنه قلبي"
فهو معي اليوم
حيث خلسةً سأحاول كتابة قصيدة قصيرة
و سأتمنى لكِ
غياباً سعيداً.
في العمل
النهار ينتصف
ما من شيءٍ هنا يصلحُ لقصيدةِ حب
(المنشار)..بأسنانه السميكة لا يشبه سوى القدر
(الشلّة).. تنخرُ عصبَ التركيز
(الرابوب)..يُشذِّبُ خشب الزان كآلة حلاقة مؤذية
(الشليون)..هل ستسخرين منّي لو قلت :
إنه يخيفني !
أصدقائي الودودون هنا هم ستةُ كؤوسٍ وإبريقٌ للشاي (الحلو)
أُعدُّهم و أنا أغني لكِ !
..علي أن أتوقف الآن قبل مجيء صاحب العمل
كي لا يتفوّه بكلمةٍ تجرحكِ
ألم أقُل لكِ..لا شيء هنا يصلحُ لقصيدةِ حُب.
في الطريق إلى البيت
لستُ متعباً للغاية
كما لستُ في حالةٍ جيدة
ما مِن جديد
أنتِ لم تأتِ
الحرب لن تنتهي
وأنا لا أصلحُ لكتابةِ قصيدةِ حُب
رغم ذلك لو حاولتِ أن تلفظي "حبيبي"
مرةً واحدة
سأكون بخير.
في البيت
منفضةُ السجائر فارغة
كنتُ أعرفُ أنّكِ لن تأتي
وأعرفُ أنني سأطوي جسدي
كحَملٍ مُنهك
أنتظر
سريراً أو بلاداً
يداً أو قبلةً
و لن أغلق عيوني إلّا على سماءٍ تغصُّ بالقضبان.
...............................
يومٌ عادي
هذا يوم عادي
لكنه لطيف
الشمس تتمدد خلف الغيوم
كامرأة كسولة
من حين إلى آخر
تتسلى بتمرير خصالها الصفراء نحونا
نعومة حبات المطر
تطبع التماعاً فوق الجباه المرهقة
كأن النهار مزيج من خدر الفصول..
يجب على العدالة أن تفكر جدياً
بزيارة خاطفة
فهذا يوم عادي
لكنه لطيف
و مناسب لموت صاحب العمل!
........................
سريرٌ واحدٌ يكفينا نحنُ الثلاثة
أرجوكِ
يا حبيبتي
لا تزعلي منّي حين أبكي
خذيني إلى صدركِ
بقوة
كما تفعل الشجرة لغصنها المكسور
ثماري ناضجة..صدّقيني
لكن الريح هي من ساقتها
صوب البساتين القاحلة
لا تزعلي منّي
افركي حلمتيكِ الفارّتين كأعواد ثقابي
من علبةِ الحرب
بهذه القصيدة
ثِقي بي
سريرٌ واحدٌ يكفينا نحنُ الثلاثة!
و أرجوكِ
أوصي شهرزادكِ أن تحكي لي
عن بلادٍ بلا ديكتاتور
إلهٍ بدون راية سوداء
ثورةٍ بلا مجازر و مشردين
أخبريها أنني لا أريدُ أن أموت
كي تحكي لي كثيراً كثيراً
عن الحب
و ألّا تتركني
حتى أنام
وأحلم
بالحرية!
.............................
لا يريد أن يكون ولداً مشاغباً!!
إنه الصبيُّ ذاته
المُنهك
الذي يعود من العمل
وفي خاطرهِ زجاجُ عمرهِ المكسور
شتلةُ الموتِ
كبُرت كثيراً
لقد أصبحت يانعةً في الصدر
وعويلُ وحدتهِ لا يهدأ
لم يبقَ له
عالمٌ
قارةٌ
وطنٌ
حديقةٌ
أو حبة ترابٍ واحدة
يغرسُ فيها زهرة قلبهِ الملعونة
لم يعُد يريد أن يكون ولداً مشاغباً
يُشبِّه النساء بإشارات المرور
ويغيظُ أصدقاءهُ بقصائد كالأراجيح
عن الأعيادِ النائمة..
يُريد امرأةً بلا إشارةِ مرور
وأصدقاءً لا يغرفون من أرجوحةِ
أعيادهِ المقتولة
لم يعُد يريد فتاةً تقولُ له:
ما رأيكَ أن نتهاوى تحت الأشجار
كورقتي توت
أو أن نركض وأنتَ تُقبِّلني..
يريد ورقةَ توتٍ
يكتبُ عليها قُبلتهُ الأخيرة
ففي حياةٍ قادمة
قد يكونُ غزالاً
يركض.. يضحك.. يحب
ثم يعودُ الى البيت
ولا يجدُ سكيناً
بحربةٍ طويلةٍ ورأسٍ معقوف
تنتظرهُ في السرير.
+++
معاذ زمريق شاعر سوري من مواليد 1991، صدر له (كريستال طائش) دار سرجون، عن ملتقى (ثلاثاء شعر) في دمشق 2013 وهو كتاب مشترك يضم خمسة أصوات شعرية جديدة، الكتاب أشبه بأنطولوجيا مصغرة، حملت نصوصي في الكتاب عنوان (أريد أن أكون ولداً مشاغباً).